درس نزول الوحي والدعوة
نزل الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكانت أول كلمة هي ( اقرأ ) ، وبدأت رسالة الإسلام : والدعوة إليه ، فكيف نزل الوحي ؟ وكيف بدأت الدعوة إلى الإسلام ؟
بدء الوحي
بدأت بوادر الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا في منامه إلا جاءت مثل فلق الصبح ( أي : نور الصبح ) ، ثم تبت إليه الخلوة بنفسه والتعبد ، والتوجه إلى الله، فاتخذ من غار حراء في جبل النور مكانة له يتعبد فيه ، وعندما بلغ الأربعين من عمره نزل عليه الوحي.
موقف خديجة رضي الله عنها
دخل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على زوجته خديجة رضي الله عنها قال : « زملوني ، زملوني ( أي : غطوني ) ، فهدأت من روعة حتى ذهب عنه الفزع ، فقص على خديجة الان ما حدث ، وأبدى خشيته من ذلك ، فقالت له : لا والله ما يخزيك الله أبداً ، والله إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق ». وعندها انطلقت به خديجة بنها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، فأخبره و بما حدث، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى. ( أخرجه البخاري ).
بدء الدعوة
قال تعالى : ( يآيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر ). ( المدثر )
بعد نزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدأت مرحلة التبليغ ، فبدأ صلى الله عليه وسلم بأقرب الناس إليه ولم يعلن دعوته ، فأسلمت زوجته خديجة ، وربيبه ( أي : من تربى على يديه ) علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان عمره عشر سنوات ، ومولاه زید بن حارثة ، وأبو بكر الصديق ، وعثمان ابن عفان ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة بن الجراح، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهما ، ودخل عدد من الموالي في الإسلام ، منهم : بلال بن رباح ، وصهيب بن سنان الرومي ، وعمار بن ياسر ، ووالده وأمه سمية رضي الله عنهم
إعلان الدعوة
أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن دعوته ، فقال تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) (الشعراء). فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لأمر ربه وبادر بالالتقاء بأقاربه من بني هاشم ، وبني عبد مناف ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، فلم يستجيبوا له.
ثم انتقل بالدعوة إلى أهل مكة المكرمة جميعاً ، فصعد الصفا ونادى : « يا صباحاه »، فقالوا : من هذا ؟ فاجتمعوا إليه ، فقال : « أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي ؟ » قالوا : نعم ، ما جربنا عليك كذبة. قال : « فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ». قال عمه أبو لهب : تباً لك سائر اليوم ، أما جمعتنا إلا لهذا ، ثم قام ، فنزلت تبت يدا أبي لهب وتب (أخرجه مسلم) . فحكم الله عز وجل وهو خير الحاكمين ، على أبي لهب وامرأته بالخسران والخزي في الدنيا والآخرة ، وذلك لأن أبا لهب كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه ، وزوجته أم لهب كانت تضع الأشواك والقاذورات في طريق النبي صلى الله عليه وسلم
موقف قريش من إعلان الدعوة
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق دعوته وحقائق الإسلام ، وأوضح بطلان آلهة قومه ، ودعا إلى هجرها ؛ فأدى هذا إلى تحول موقفهم من المعارضة إلى إعلان العداء ورفض الدعوة الجديدة ، ومع ذلك فإن هذا الرفض لم يمنع من دخول بعض كبار قريش في الإسلام ، ومنهم : حمزة بن عبد المطلب ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه
سلك بعض كبار قريش أساليب ترغيب وترهيب لمواجهة الدعوة، ووقفوا في وجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وعملوا لصد تأثيره في الناس، ومن ذلك
المقاطعة ( حصار الشعب )
بعد ازدياد عدد الداخلين في الإسلام ، وخصوصاً بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب ، وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما ، وبعد أن رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم مساومتهم حين عرضوا عليه الرئاسة ، والمال ، والزواج ، كما عرضوا عليه أن يعبد آلهتهم يوماً ، ويعبدوا الله يوماً ، وبعد إخفاقهم في إعادة من هاجر من المسلمين إلى الحبشة ؛ عزم سادة قريش على قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فاتفق بنو عبدالمطلب وبنو هاشم - عدا أبي لهب - على حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عند ذلك قاطعت قريش في السنة السابعة من البعثة بني هاشم وبني عبدالمطلب فلا يتزوجون منهم ، ولا يزوجونهم ، ولا يبيعونهم شيئاً ، ولا يشترون منهم ؛ حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل ، وكتبوا في ذلك صحيفة علقوها في جوف الكعبة.
وانتهى الحصار بإخفاق قريش في تحقيق مآربهم ضد دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وعاد بنو هاشم وبنو عبدالمطلب إلى مكة المكرمة.
بيعتا العقبة
ظهرت بوادر نجاح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في البحث عن مكان آمن لنشر الدعوة بلا مضايقة أو اضطهاد ، وتمثلت أولى بوادر النجاح في لقائه و أهل يثرب ( المدينة المنورة ) ، ومبايعتهم له .
بيعة العقبة الأولى
في موسم الحج للعام الثاني عشر من البعثة ( الموافق 621 للميلاد ) ، قدم مكة المكرمة اثنا عشر رجلا ممن أسلم من أهل يثرب ( المدينة المنورة ) ، فبايعوا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم في العقبة ، ويروي أحد المبايعين وهو عبادة بن الصامت رضي الله عنه ما جرى في بيعة العقبة الأولى قائلاً : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا : « تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن أوفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه » ، قال عبادة رضي الله عنه : فبايعناه على ذلك. أخرجه البخاري ومسلم.
عندما أراد المبايعون العودة إلى بلادهم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه أن يرافقهم ليقرئهم القرآن ، ويعلمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين، فأسلم على يديه ليلة جمع من أهل يثرب.
بيعة العقبة الثانية
في السنة التالية البيعة العقبة الأولى ، جاء إلى الحج مسلمون من أهل يثرب ، وبعد وصولهم إلى مكة جرت بينهم وبين النبي محمد صلى الله عليه وسلم اتصالات سرية أدت إلى الاتفاق على أن يجتمعوا ويبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم عند العقبة أيام التشريق.
فاجتمع ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية ، فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يختاروا اثني عشر رجلاً يكونون نقباء ، يتحملون المسؤولية عنهم في تنفيذ هذه البيعة.