فن المنمنمة الإسلامي :
بدأ الاهتمام بفن الرسم في العهد الإسلامي مبكرا ، وقد خدم فن الرسم أغراض متعددة ، ففي بداية الأمر كانت وظيفته الأساسية هي توضيح تجارب طبية أو علمية أو رسم النباتات والأعشاب الطبية أو أجزاء الحيوانات المفيدة ، ونستطيع أن نسميها مرحلة الرسوم التوضيحية ، ويتضح ذلك من الكتب التي ظهرت فيها رسومات بحجم صفحة الكتاب عرفت بالمنمنمات أي الرسوم الصغيرة مثل كتاب منافع الحيوان لابن بختیشوع وكتاب الحيل الجامع بين العلم والعمل للجزري وكتاب عجائب المخلوقات للقزويني وقد كانت هذه الرسوم شارحة للمتن وموضحة له. وقد تطورت رسوم المنمنمات لتشمل توضیح مواقف من القصص الأدبية بشكل جميل ومعبر ، مثل قصة كليلة ودمنة ومقامات الحريري وغيرها .. وتعرف هذه بالمرحلة الأدبية ، ثم انتقل الفنان إلى غرض آخر في فن المنمنمات هو الوظيفة الدعائية والإعلانية ، حيث تشتمل هذه المرحلة بالرسومات التي توضح السير والغزوات وبطولات الحكام والأمراء في العهود الإسلامية المتأخرة ، وتعد المنمنمات التيمورية أصدق مثال على ذلك. إذا يتضح لنا أن فن المنمنمة مر مراحل متعددة وخدم أغراض مختلفة ، وكان فن رسم المنمنمة مرتبط ارتباط وثيق بفن الكتاب وتزيينه.
وقد اشتهر عدد من الفنانين في هذا المضمار منهم عبد الله بن الفضل (۱۱۹ه) الذي كتب وصور مخطوط في خواص العقاقير ، ضمنه ثلاثين لوحة موزعة في متاحف عالمية مختلفة الآن. ومن أشهرها منمنمة تصور رجلين تحت شجرة وبينهما وعاء يحركه أحدهم بعصا في يده. أما یحیی بن محمود الواسطي الذي رسم منمنمات مقامات الحريري سنة (134 هـ) فقد اعتبر بحق أحد أعلام فن المنمنمة الإسلامية ، ويحتوي كتاب مقامات الحريري على نحو مائة منمنمة تصور كل واحدة منها موقف من مواقف المقامة ، وتعطي في الوقت نفسه صورة للحياة الاجتماعية والأزياء وأنماط العمارة في ذلك العصر.
إن الفنان المسلم استطاع أن يحقق في المنمنمات رسوم إبداعية ، بوضعه العديد من العناصر في مساحة لا تتجاوز صفحة كتاب مع العناية بالألوان والخطوط والأشكال أيما عناية. وقد اشتهرت مدارس في فن رسم المنمنمة مثل مدرسة بغداد ومدرسة سمرقند وهراة وغيرها ... وتوجد معظم المنمنمات في متاحف العالم ، حيث اعتبرت من الفنون الرائعة والراقية. وقد استمر فن المنمنمة إلى وقت متأخر ، حيث توضح رسوم محمد راسم في الجزائر ازدهار هذا الفن في شتى البقاع الإسلامية.