عرفنا أن الزخرفة هي كل رسم يعمل به على مساحة ما بقصد تزيينها، وقد برع الفنان المسلم في نظم الزخارف بأنواعها ، هندسية أو نباتية أو خطية مفردة، وقد تتداخل هذه العناصر لتخرج بتكوينات زخرفية مميزة تكون وحدة زخرفية مترابطة تسمى بفن «التوشيح» أو الرقش وهو ما يسمى ب «الأرابيسك».
وهو مصطلح زخرفي لمجموعة متكررة تعتمد على الامتزاج بين العنصر النباتي المحور والعنصر الهندسي واستخدام الحروف العربية كذلك - والمزاوجة بينها وبين الأشكال الهندسية والنباتية بأساليب مختلفة، بعد أن أدرك الفنان المسلم أن الخط العربي ليس كبقية الخطوط التقليدية، بل خطأ يحمل رسالة وحضارة أمة، فتفن في تطوير الخط وحمله الكثير من روحانية الرسالة التي نقلت إليه تحديدا بلغة عربية... فزخرف الفراغات وملئها بهيئات جمالية متناسقة تستريح إليها العين ، ومن أشهر الخطوط التي زخرف بها الفنان المسلم، الخط الكوفي، خط الثلث، خط النسخ، خط النستعلیق / التعليق (الفارسي)، الخط الديواني، خط الرقعة، خط الطومار، خط الطغراء وخط النسخ الذي يكتب به القرآن الكريم عادة، غالبا لوضوحه وبساطته وشهرته بين الناس. كما يوضح الشكل (4) أشكال مختلفة من الخطوط العربية.
القيم الزخرفية التشكيلية في الحرف العربي :
يظل الحرف العربي يحمل في مكنوناته الجمالية والتعبيرية بعدة راقية ومميزة ، وسيظل مصدرا لاستلهام العديد من الفنانين ؛ حيث صاغه الفنان المسلم بأشكال متعددة ، فلونه تارة واستخدم خاصية التكبير والتصغير في الحجم تارة ، وخاصية التقوس ، واستدارات الحروف العربية والتحوير فيها تارة أخرى ، الأمر الذي مكنه من نظم أشكال فنية وجمالية تعطي تنوعا في الإيقاع والإحساس معاً ، ففي التبادل بين الرقة والغلظة في حروف خط النسخ يحدث الإيقاع ، وكذلك في تبادل الانحناءات والامتدادات في حروف الخط الفارسي ، وتبادل التماثل كما في الخط الديواني ، وتبادل إشعاع القوة كما هو في حروف خط الثلث. أما الإحساس به : فالخط المنحني يمثل الرشاقة كما في حروف النسخ والثلث والفارسي. أما الخط الهندسي الكوفي بأنواعه فيثير الجمال الرياضي الهندسي ، هذه الصفات الكامنة في حروف الخط العربي تسهل التعبير عن الحركة ، والكتلة ، الأمر الذي يحقق إيقاعا جميلا وإحساسا بصرا ونفسيا راقياً ، دون أن يخل بقواعد وأصول حروف رسم الخط العرب
مميزات الحرف العربي :
تتميز الحروف العربية عن غيرها من الحروف بأنها قابلة للتشكيل والحركة «الطواعية» وفي نفس الوقت تتماشي على أي صورة كتابية دون أن يؤثر ذلك على جوهرها ، ومن هنا يأتي الحسن و الجمال للحروف العربية حتى لو تغيرت الأشكال يظل الجوهر ثابتا ، على عكس حروف اللغات الأخرى ، فإنها لا تمتلك المرونة والطواعية في التشكيل دونما الإخلال بشكلها الحقيقي ؛ بحيث تساعد الزوايا والامتدادات في الخط العربي على توزيع الإضاءة واتجاه البصر في اللوحة لتصبح وحدة متكاملة غير مجزأة
- لنلاحظ المرونة والطواعية عند استخدامنا لحرف الواو على سبيل المثال، يمكن كتابة الحرف وتكراره واستخدام التكبير والتصغير وتغيير الحجم والحركة في الحرف ، كما يمكننا استخدام الحروف سواء منفصلة أم متصلة كأساس أو موضوع لوحة فنية لها شكل زخرفي ، لتكون لدينا تشکیلات زخرفية من الحروف يمكن أن نحولها إلى وحدات زخرفية. لنتابع استخدام اللون والحركة والاختلاف في الحجم للتشكيل بالحرف العربي
الزخرفة والقرآن الكريم
اهتم الفنان المسلم بالقرآن الكريم بهدف الحفاظ عليه من الضياع والنسيان واعتنی المسلمون بكتابته بأنواع الخطوط المختلفة، وبرعوا في زخرفة حواشي الصفحات بالزخارف المختلفة ، وملئوا بين جمل الكلام بالذهب ، ورسموا بكل الخطوط على الجلود المختلفة والأوراق بالأدراج والرقاع بأصناف المداد وألوانه
وقد شكل الفنان المسلم آيات من كتاب الله في أشكال جمالية زخرفية حاول فيها توفيق المعنى مع المضمون كوسيلة تعليمية وتعبدية زين بها المساجد؛ بحيث يراها المصلي كلما ذهب إلى المسجد الأمر الذي يساعد على تعود العين النظر إليها وقراءتها باستمرار وعدم نسيانها
القواعد والأسس المستخدمة في الزخرفة :
اعتمد الفنان المسلم على مجموعة من القواعد والأسس التي تساهم في إظهار هذه الزخارف الجمال المقصود ومنحها دلالاتها الخاصة بها، مثل التوازن ، التناظر، التشعب، التكرار، التناسب، التشابك. ويعتبر عنصري «التكرار» و«التوازن» أساسا في إظهار جماليات الزخرفة، حيث يحدث التكرار والتوازن المتوالي أثرة زخرفية يضفي على القطعة الفنية جمالا ويزيدها تألق.
1- التوازن : التوازن في الزخرفة يشمل جميع المساحات والسطوح من أشرطة إطارات وحشوات، ويعبر عن التكوين الفني المتكامل بتوزيع العناصر والوحدات توزيعة يعتمد على تناسق العلاقات بين العناصر والألوان والفراغات المحيطة، أساسي لكل عمل فني بها؛ حيث يعتبر التوازن قاعدة أساسية لا بد من توفرها في كل تکوین زخرفي أو عمل فني تزييني.
وعند تأملنا الأعمال الزخرفية الخطية، نلاحظ أن استعمال التكرار والتناظر المحوري جاء كتعبير عن التسبيح الذي يكرره المسلم يوميا أثناء عبادته، كما يؤكد فكرة محورية وهي عبادته سبحانه وتعالى، فالزخرفة الإسلامية لم تكن عشوائية بل كانت منبثقة من أساس عقيدة المسلم وقناعاته التشريعية.
۲- التكرار : يعتبر استخدام أسلوب التكرار أبسط القواعد في التكوين الزخرفي؛ لأنه عند تکرار أي عنصر أو وحدة زخرفية نحصل على تكوين زخرفي بديع، وهو ناتج لتعامل الفنان مع
- مجموعة من العناصر، قد تكون أشكالا هندسية أو مجموعات لونية متباينة أو متدرجة وباستخدام أكثر من شكل في بناء صيغ جديدة قائمة على توظيف تلك الأشكال من خلال ترديدات عنصر، أو وحدة زخرفية على نحو متواصل بأساليب متنوعة، وينشأ عن تكرارات لمفردة واحدة أو أكثر يعيد رسمها الفنان مكونة مسار بصرية، تصل معه العين إلى نهاية القطعة. أو ما يطلق عليه الامتداد الزخرفي، مما يعطي التكوين الزخرفي جماليات رائعة
المزاوجة بين الزخرفة الهندسية والنباتية والكتابية :
الفن الإسلامي الزخرفي فن يعتمد التفكر والتدبر والنظر إلى الأشياء نظرة شمولية تحليلية فهو يحلل الأجزاء، ثم يعيد تركيبها بشكل جديد يختلف عن الشكل الأصلي ظاهرية، ولكنه يحمل نفس المضمون.
وقد عرف الفنان المسلم أن عقيدته تحثه على البعد عن رسم ذوات الأرواح فاستعاض عنها بتكرار الرموز والإشارات الدالة على المعنى من خلال كتابة الخطوط وزخرفتها وتكرارها، كما جرد الأشكال من واقعیتها بهدف الوصول إلى الجوهر في أعماله الفنية
أنماط الزخرفة بالخط العربي :
ينفرد الخط العربي بجماليات أساسية تتحقق كنتيجة للإحساس البصري الناتج من التوزيع الإيقاعي ، لإمكانية الزخرفة بأسلوب الخط المنحني الطياش الأسلوب الهندسي واختيار الزخارف المرافقة لهما ، الأمر الذي يمكن للفنان أن يصوغ الإيقاعات الزخرفية بأساليب فنية جمالية ، نتيجة للتضاد بين الأجزاء والألوان ، التبادل بين الشكل والأرضية، أنواع التكرار المختلفة وغير ذلك.
مفهوم الخط المنحني الطياش :
هو الخط الذي يدور متجولا في حرية وانطلاق في حدود المساحة المخصصة للزخرفة ولا يخرج عنها ولكنه يعطي إحساسا بالاستمرار إلى ما لا نهاية. ويقف أحيانا وقفة قصيرة عند انتفاخه ولكن لا يلبث أن يستمر ويثب أحيانا فوق الخطوط أو يمر تحتها أو يتجاور معها.
لوحات زخرفية مبتكرة بالخط العربي :
مثل العمل الفني الزخرفي باستخدام الخط العربي لحظة تأمل وحوار خاصة مع ارتباط الزخرفة الخطية بآيات القرآن الكريم؛ بحيث يدخل الفنان المسلم في حوار مع مكونات ذلك العمل، ليحقق من خلال أشكال الحروف المرسومة والألوان موضوعه الفني ودلالاته التعبيرية، ليؤسس العلاقة بين المقروء في الخط المزخرف وبين السياقين الجمالي والتقني ليصبح العمل في حالة حركة مستمرة للعين تتنقل بها في جميع أجزاء اللوحة
- وللتأكيد على المعاني الضمنية التي توجه الفن - كرسالة لبناء الهوية بعد أن اعتبر الفنان كتابته للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة ودمجها بالرموز واستخدام الحرف والكلمة، إطارة تشكيلية لإخراج زخرفي أسلوبا معززا ذلك - بدلالات وعناصر الزخرفة العربية المنبثقة من التاريخ والهوية، مستخدما اللون والحرف كلغة في التعبير ليدعمه بالرموز والعناصر الحضارية والتراثية الخاصة بأمته
تشكيلات كتابية زخرفية مبتكرة :
تظل التجربة الكتابية الزخرفية تحمل في محتواها الكثير من الإمكانات، نظرا للسمات التي يحتويها للحرف العربي من جمالية كبيرة ترتبط بتركيبته الطيعة ، وإيحاءاته الروحانية الفريدة ، وقد تمكن الفنان من ربط التراث بالأصالة مستخدما أساليب معاصرة ، تتناسب وتتوازن مع الوحدة الزخرفية وتندمج مع معنى الكلمة أو الآية ، بهيئتها وألوانها بعد أن شكلها الفنان حتى أصبح كل منهما أي اللون والشكل يغذي العمق التشكيلي.
- وقد عمل الفنان المصري محمد طوسون على الحروف من خلال مدرسة البكتوجراف وتعني الخط العربي + الرسم والحرف العربي وتحتوي عناصر التشكيل: اللون ، المساحة ، الموضوع، جمال الخط العربي. تنظر إلى اللوحة للوهلة الأولى تجدها غاية في الجمال والإبداع وعندما تدقق فيها تجدها كلمة جمالية مكتوبة بشكل إبداعي وبداخلها معنی الكلمة بالرسم والرمز واللون