بيئة العرب في العصر الجاهلي
البينة الجغرافية
استوطن العرب شبه جزيرة العرب، وهي - وإن تباينت جغرافيتها ما بين أنجاد وسهول وهضاب وسواحل بحار ، إلا أن رقعتها الشاسعة كانت صحراء تمتاز بسطوع شمسها وكثرة مخاطرها وتقلب رباحها وتوحش حیوانها ، وتمتاز في المقابل بصفاء سمائها وتلالؤ كواكبها وطلاقة هوائها ورحابة فضائها.
ولا شك في أن الإنسان يتأثر بأرضه تطبعه بطابعها ، وتلون أخلاقه بلون تضاريسها ومناخها ، حتى لقد قال أحد علماء الاجتماع : ( صفوا لي طبيعة أرض أصف لكم سكانها وسنرى في موضوعات هذه الوحدة كيف عاش الشاعر الجاهلي على وجه الخصوص متأثرا بالصحراء يستمد منها عناصر خياله، يتغنى بها ويغني لها، وظهرت في شعره بمظاهرها الطبيعية المختلفة كما ظهرت بحيوانها الأليف وحيوانها الشارد، وكثيرا ما وصف ليلها ومطرها وسحابها وسرابها، وكان إحساسه بها عميقا صادقا لا زيف فيه ولا افتعال
- وقد كانت العرب بين أهل مدر وأهل وبر ، فأما أهل المدر فهم الحواضر وسكان القرى، وتعدادهم قليل، وكانوا يعيشون على الزراعة والماشية والضرب في الأرض للتجارة، أما أهل الوبر الذين يعدون الأكثر في ذلك العصر فهم من يسكنون الصحراء، وكانوا | يعيشون من ألبان الماشية ولحومها منتجعين منابت الكلا، مرتادین مواقع القطر، فيحلون هنا ما ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي، ثم پرتحلون إلى جهة أخرى لطلب العيش وابتغاء الماء، فلا يزالون في حل وترحال .
الحياة الخلقية
أما أخلاق العرب فقد كان منها أخلاق كريمة أصيلة، ومن تلك الأخلاق والخصال الكريمة :
الكرم والشجاعة والفروسية وعزة النفس، والعفة والشرف، وكره الذل، وصلة الرحم، وحسن الجوار، وإغاثة الفقير والملهوف، والحلم والصدق والأمانة والوفاء
كما كان لبعضهم أخلاق جفاء يتخذونها وسيلة لغاية حميدة كالثأر والنهب والسلب والعصبية القبلية، ومنها ما كان مقبولا في الجاهلية حتى جاء الإسلام فأنكرها ، ومن ذلك الميسر والخمر والفخر بالأنساب والنياحة والطيرة والكهانة.
- فقد عرف العرب عددا من الفنون الأدبية كالشعر والخطابة، كما عرفوا القيافة وعلم الأنساب والكهانة والفلك، وكان لهم منتديات وأسواق للتجارة والتحكيم في الخصومات ومفاداة الأسرى والتشاور في المهمات والمفاخرة بالشعر ونقده والاستماع للخطب وبث الآراء الإصلاحية من دينية وأخلاقية، ومن هذه الأسواق :
١- سوق عكاظ - وهو الأشهر - ويقام بين مكة والطائف من أول ذي القعدة إلى العشرين منه .
۲- سوق مجنة وكانت تعقد في آخر عشرة أيام من ذي القعدة.
٣- سوق ذي المجاز وكانت تعقد في أوائل ذي الحجة إلى موعد الحج. و المجنة وذو المجاز على مقربة من سوق عكاظ .
ولعل من فوائد هذه الأسواق تقريب لهجات قبائل العرب، التي كانت تأتي للحج والتجارة في الأشهر الحرم، فقد كانت قريش تقول: لا تحضروا أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج، فكان الجميع يتعاملون مع تجار قريش ويتخاطبون بلهجة قريش التي قويت، ثم ازدادت قوة بنزول القرآن الكريم بها.
أما الحياة الدينية فمما تقدم ذكره يتضح أن كثيرا من العرب قد عبدت الأوثان؛ لتقربها إلى الله زنقي أو لتكون شفيعة لهم عند الله، لكنهم مع كل ذلك كانوا مؤمنين بتوحيد الربوبية فعرفوا أن للكون خالقا وأثبتوا لله الرزق والإحياء والإماتة وملك الكون وشهد لهم القرآن الكريم بذلك ، وقد كان لهم بعض المناسك وبخاصة في أعمال الحج، ويصدق ذلك قول النعمان بن المنذر بصف ديانة العرب في حضرة كسرى: (ا... وأما دينها وشريعتها فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من نسکه بدينه أن لهم أشهراً حرماً وبلا محرماً وبيتاً محجوجاً ينسكون فيه مناسكهم ... فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثأره فيحجزه کرمه ويمنعه دينه أن يمسه بأذى ) لكن ذلك لا يعني نفي شركهم بالله ، بل ما جاء الإسلام إلا لإزالة هذا الشرك.