النثر السعودي
فن القصة والرواية
ازدهر النثر الفني في الأدب السعودي ، وتنوع بين المقالة وفن القصة بأشكالها كافة : كالرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً ، والسيرة الذاتية وأدب الرحلة ، وفن المسرحية.
مع وجود تفاوت بین حظوظ هذه الفنون من الوفرة والانتشار ، ومن الملحوظ تفوق فن القصة ( الرواية ) تحديدا على غيرها ، وللمقالة حظها الكبير من الانتشار أيضاً.
مرت القصة السعودية بثلاث مراحل هي:
مرحلة المحاولات الأولى : من ۱۳۰۰- ۱۳۸۰هـ تقريباً :
1- ظهرت قصة ( التوأمان ) لعبد القدوس الأنصاري، وهي رواية تعليمية إصلاحية حول إثبات الهوية العربية .
٢- ثم كانت قصة (فكرة) لأحمد السباعي الخطوة الثانية نحو القصة الفنية الجامعة بين الواقع والخيال ، مع تخلي أسلوبها عن الوعظ المباشر، وهي عن فتاة تعيش بين البادية والحاضرة.
٣- وقصة (البعث) لمحمد علي مغربي التي اتسمت بجمال الأسلوب والوصف وهي عن شاب سعودي ورحلته للعلاج إلى الهند ونجاحه في التجارة.
4- ثم بدأ ظهور القصة القصيرة حجماً كقصة ( رامز ) لمحمد العامودي 1355 هـ ، وهي تفتقد تركيز الأقصوصة ، وشمولية القصة ، وتعتمد على المصادفة، وعلى الأسلوب التقريري.
المرحلة الثانية :
بداية إثبات الذات : من ۱۳۸۰ هـ - 14۰۰ هـ : تميزت هذه المرحلة بعودة الشباب المثقف، وازدياد الصحف، وإدراك البناء الفني المتكامل للقصة. وكان رائد القصة ( حامد دمنهوري) بروایتیه (ثمن التضحية ) و ( مرت الأيام) ، وفيهما بتتبع البطل من لحظة إحساسه بالمسؤولية إلى لحظة نجاحه في حياته العامة، واعتمد على أسلوب (الاستبطان ) أي الحوار الداخلي أو لغة الخواطر ، وتميز بالدقة في رسم البيئة والمجتمع و التطور الذي شهده، ونضوج الصراع، والصياغة المتقنة، والجمال الفني.
ومن أمثلة القصة والرواية في هذه المرحلة :
ثلاث قصص لسميرة بنت الصحراء ( ودعت آمالي) و ( ذكريات دامعة) و ( بريق عينيك) واتصفت بنهاياتها الحزينة دائما، والجمع بين السرد والحوار.
وقصة ( عذراء المنفي) لإبراهيم الناصر، الذي أضاف إلى هيكل القصة توظيف الاستيطان أو ما يسميه النقاد ( تیار الوعي )، واستعمل الرمز لخدمة المضمون، واقترب من الواقع وقضايا المرأة، وجمع بين السرد والحوار بلغة رومانسية.
وقصة ( القصاص) لعبد الله سعيد جمعان تستعمل أسلوب التذكر واستعادة الأحداث عن سبب تسمية قرية ببلاد زهران باسم الفتاة ( فضة) لعصاميتها وتضحيتها لأبنائها وأثرها في إيقاف الأخذ بالثأر.
- إلى جانب روايات كثيرة مثل ( اليد السفلي) لمحمد يماني، وظهور أول رواية تاريخية في الأدب السعودي وهي أمير الحب لمحمد زارع عقیل.
1- توزعت القصة في هذه المرحلة بين أربعة اتجاهات : الاتجاه الرومانسي ، والواقعي ، والتاريخي ، والرمز الأسطوري . .
۲- تميزت القصة القصيرة في هذه المرحلة بظهورها الواضح تحت هذه التسمية، وبالاهتمام بالموضوعات الواقعية ، واستعمال النهج الفني الكلاسيكي في قيامها على السرد والوصف ، واللغة الفصيحة الأدبية الراقية، مثل قصص غالب حمزة أبو الفرج في مجموعتيه ( من بلادي ) و ( البيت الكبير)، وقصص إبراهيم الناصر ( أمهاتنا والنضال ) و( أرض بلا مطر)، وقصص عبد الله الجفري ( حياة جائعة ) و( الجدار الآخر)
المرحلة الثالثة : التطور والتجديد : من 14۰۰هـ ، وما بعدها ، وتتميز هذه المرحلة بالآتي :
1- ظهرت روايات كثيرة، وكثر الجيد منها ، وزاد عدد کتابها ، وصدرت روایات لكتاب سابقين و کتاب جدد ، وشهدت الساحة الأدبية زخماً نقدياً كبيراً ومن أمثلة القصص في هذه المرحلة :
- ( الدوامة والمتغيرات الجديدة لعصام خوقير ، عن محافظة المرأة على عفافها وعملها واهتمامها بأبنائها، وكان الحوار بلهجة عامية.
- ( لحظة ضعف ) لفؤاد صادق مفتي : وهي رواية اجتماعية تعرض العلاقة بين الشرق والغرب من خلال شخصية (طارق ) الطالب السعودي في أمريكا، ومع براعة الوصف فيها ولغتها الفصحى وتنامي شخصية البطل إلا أن فيها تراكما في الأحداث، وتفككا في الهيكل البنائي.
- ( غرباء بلا وطن) لغالب حمزة أبو الفرج : وفكرة هذه الرواية تنحصر في تشبث الإنسان بوطنه مهما كانت الظروف، وكانت لغتها جيدة واضحة.
- ( غيوم الخريف ) إبراهيم الناصر، وتأخذ هذه الرواية من خصائص القصة القصيرة التكثيف في اللغة ، ولحظة التنوير أو ولادة الحل الأزمة القصة، وتتجاوز القصة القصيرة في كثرة الشخوص، وتفرع الأحداث الجانبية . وهي رواية نفسية عن العلاقة بين الشرق والغرب النقد استصغار الذات في زحلة رجل الأعمال ( محيسن)، واستعمل فيها لغة الخواطر أو ( الحوار الداخلي ) ، في لغة فصحى ذات إيقاع سريع.
۲- تعددت اتجاهات القصة القصيرة وأشكالها الفنية، ومنها :
أ) الواقعية الاجتماعية كقصص غالب أبو الفرج ( ليس الحب يكفي ) و( ذكريات لا تنسى )، وتدور حول البعثات العلمية والتجوال في المدن ورصد التقدم، وقصص عبد الله بوقس ( خدعتني بحبها) التي تدور حول قضايا الابتعاث، وقصص بهية بوسبيت في مجموعتها (وتشاء الأقذار) وخيرية السقاف في مجموعتها ( أن تبحر نحو الأبعاد ) وهي تدور حول قضايا المرأة وتعليمها، ومحمد منصور الشقحاء في قصصه ومنها ( البحث عن ابتسامة ) و( الغريب ) و( الانحدار ) وهي تدور حول قضايا الوطن والمجتمع وأحداث العالم العربي والإسلامي، وخالد أحمد اليوسف ومن قصصه ( إليك بعض أنحائي) وتحكي جانبا من حرب الخليج الثانية.
ب) منهج التحليل النفسي للشخصيات ودوافعها وعواطفها ، ومنه قصص عبد الله الجفري في طوره الثاني في مجموعته ( الظمأ )، و قصص محمد علي قدس في مجموعته ( النزوع إلى وطن قدیم)، ومحمد علي الشيخ في مجموعته ( العقل لا يكفي).
ج) الإيحاء والرمزية، إما تلافيا للإفصاح عن هدفي فكري أو لغياب ذلك الهدف، مما يؤدي إلى شيء من غموض الشخصيات وفقد العلاقات بينها، يتسم هذا الاتجاه بكثرة استعمال الفراغات وعلامات الترقيم، ومن هذا الاتجاه قصص عبد الله عبد الرحمن العتيق في مجموعته ( أكذوبة الصمت والدمار) ، وقصص رقية الشبيب ( الحلم ) ، وقصص خالد محمد باطرفي ( محاولة رقم ۲) ، وقصص يوسف المحيميد ( ظهيرة لا مشاة لها )، وقصص عباد الله باقازي ( القمر والترشيح ) و( الزمردة الخضراء التي استعمل فيها الإيحاء الرمزي وتدور حول حرب الخليج الثانية .
٣- تبلورت القصة القصيرة جدا (الأقصوصة) ، وأصبحت الشكل المفضل لكثير من كتاب القصة للتعبير عن مضامينهم المتنوعة، فتصدرت وسائل الإعلام و كثرت حولها الدراسات النقدية. ومن كتاب الأقصوصة اللمحة حسن حجاب الحازمي في مجموعته ( ذاكرة الدقائق الأخيرة ) ، وسهام العبودي، وحسن البطران، وزكية العتيبي .
فن المقالة
ومر بثلاث مراحل : المرحلة الأولى : البدايات
1- ارتبطت بداية المقالة الأدبية السعودية بصدور الصحف، ومنها : (القبلة) سنة ۱۳۳4 هـ و ( أم القرى) 1343 هـ ، وكانت المقالات تنوء بالتكلف وضعف الفكرة والأسلوب ، وفي سنة ۱۳۰۰ هـ. صدرت مجلة (المنهل) وصحيفة ( صوت الحجاز ) ، و ابتداء من ذلك التاريخ يمكن القول بأن المقالات قد بدأ تحرر أسلوبها ، واتسمت بالوضوح ، واتجهت إلى الموضوعات الاجتماعية الإسلامية. وحاول الكتاب الإسهام بآرائهم وأفكارهم في نهضة البلاد والرقي بالتعليم ونشر الثقافة واحترام العمل وتعليم المرأة، بمعالجة كثير من الموضوعات الاجتماعية في اتزان وإقناع.
۲- اشتد إقبال الكتاب على المقالة بعد ظهور الصحافة فامتلأت صفحاتها بالمعارك الكلامية والنقدية حتى بدأ شكل المقالة الأدبية يتميز ويقوي ويكون مدرسة خاصة
٣- تأثر الكتاب في المملكة بالتيارات الأدبية والثقافية العربية والغربية الحديثة، بالاطلاع المباشر والترجمة وظهر أثره في الاهتمامات والموضوعات والأساليب.
4- وصول المقالة إلى مستوى أدبي راق ابتداء من سنة ۱۳۷۰ هـ. وفيها نهضت المقالة وتطورت، وشهدت ظهور صحف للادباء نشرت مقالاتهم، وتربى فيها جيل الكتاب المثقفين وشهدت هذه المرحلة تدفقا في الإصدار الصحفي، ومن ذلك صدور مجلة اليمامة الشهرية وجريدة الخليج العربي الأسبوعية والأضواء الأسبوعية، وجريدة حراء ، ومجلات الرائد و قریش والجزيرة وجريدة عكاظ. وتميز أسلوب المقالة في هذه المرحلة : بالاستفادة من الأدب العربي الحديث والتراث، وخفة اللفظ وسلاسة العبارة .
ومن كتاب المقالة في هذه المرحلة :
محمد سرور الصبان ، وعبد الوهاب آشي، وفؤاد الخطيب ، ومحمد حسن عواد ، وحسين سرحان ، وأحمد عبد الغفور عطار ، وعبد القدوس الأنصاري، وعزيز ضياء ، ومحمد حسن فقي ، وأحمد السباعي ، ومحمد حسين عرب.
المرحلة الثانية : ما بعد صدور نظام المؤسسات الصحفية :
وصدر سنة ۱۳۸۱ هـ بإنشاء ثماني مؤسسات صحفية، صدر عنها : جريدة الجزيرة ، وجريدة الرياض ومجلة اليمامة ، ومجلة الدعوة ، وجريدة عكاظ ، وجريدة البلاد ، وجريدة الندوة ، وجريدة المدينة ، وجريدة اليوم ، ومجلة المنهل ، ومجلة الحج ، ومجلة رابطة العالم الإسلامي ، ومجلة قافلة الزيت ، ومجلة العرب.
واتجه كثير من كتاب الجيل في هذه المرحلة إلى الاهتمام بالمقالة الموضوعية غير الأدبية ، ودعوا إلى التفريق بين المفهوم الصحفي والعمل الأدبي الخالص والاهتمام بالصحافة العصرية ، فناقشوا من خلالها قضايا العصر الحياتية المتنوعة الاجتماعية والاقتصادية وقلت المقالات الأدبية الخالصة
وهكذا صارت المقالات الأدبية التي تناقش القضايا الأدبية والنقد الأدبي محصورة في زوايا محدودة وفي أيام محددة من الأسبوع.
وتميزت المقالة في هذه المرحلة : بالأسلوب الصحفي، والبحث عن الجديد، والإكثار من الصور الغامضة
ومن كتاب المقالة في هذه المرحلة الذين مزجوا في مقالاتهم بين الحس الأدبي والشكل الصحفي هاشم عبده هاشم، وعلوي طه الصافي، وعبد الله مناع، وحمد القاضي، وعبد الله الماجد، وفهد العرابي الحارثي، ومرزوق بن تنباك، ومحمد رضا نصرالله، وسعد الحميدين، وعبد الله الشهيل، وراشد الحمدان، وعبد الله نور، وتركي بن عبد الله السديري، وحسين علي حسين، وخيرية السقاف. وممن كتبوا المقالة النقدية مع اهتمام بمنهج البحث العلمي : محمد بن حسين ، وأحمد الضبيب ، وإبراهيم الفوزان.
المرحلة الثالثة : مرحلة الانطلاق :
شهدت المقالة الأدبية تطورا ملموسا في مرحلة الطفرة، وقد ساعد على ذلك بروز عدد من الصحف بملاحقها الثقافية ، وبرزت دوريات متخصصة في الأدب والنقد ، وكل هذا أدى إلى ازدهار المقالة الأدبية والنقدية، وإلى حضور تیارات أدبية ونقدية حديثة في الساحة الثقافية .
مقالة ( حتى يسير موكب الثقافة )
الكاتب
الدكتور مرزوق بن تنباك، وهو أكاديمي سعودي، عمل أستاذا للأدب العربي في جامعة الملك سعود، وله عدد من الإصدارات العلمية والمقالات الصحفية.
النص
الخلاف في الرأي حقيقة وواقع في الحياة لا يمكن تجاوزه ، وأكثر ما يكون الخلاف والجدل في الفكر وقضايا الحياة ومشترك الآمال للامة والمجتمع الإنساني كله، وقد قمت للناس حظوظهم من العلم مثلما قسمت أرزاقهم، ومن العدل ألا يكون الناس متساوين في الحظوظ؛ إذ لا بد من التفاوت في المستويات الثقافية، وهذا شيء تقتضيه طبيعة الحياة.
ومبدأ الخلاف مبدأ قائم منذ وجد الإنسان وسيستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها ... وقد انقطع الأمل في أن يعيش الإنسان حياة لا يعرف فيها لرأبه مخالفاً .
وقد عرف الفكر في تاريخه الطويل للخلاف مذاهب كثيرة أهمها وأجدرها بالمتابعة الجدل المهذب الراقي ، والطرح الحضاري لمشكلات الثقافة .. والجدل بهذا المعنى يمثل قدرة التعامل مع موجبات الحياة ومع سلبياتها بفکر وعقل يترفع بعيدا عن بواعث العاطفة وأجاج الحمية الذاتية ، ويفرق بين صراع الحياة من أجل البقاء وأدب الفكر من أجل الحياة.
أما ما تجاوز هذا الفهم أو انحط دونه فلا يصدق علیه غير الجدل عن خصائص الذات ، وبعث هنات النفوس .. ولا تكون نتائجه إلا تعرية لبدائية سلوك الإنسان، وعودة بفكره إلى نماذج الصراع في ميدان البقاء الذي لا يتسع لأكثر من منتصر.
وقد عرف علماؤنا الأولون أسس الجدل في الرأي فلم يشتطوا عندما يكثر المنازعون لهم ، أو تقوى الحجة بجانب غيرهم ، ووطنوا النفوس على قبول الرأي الآخر ، والتعامل معه برفق يعتمد البحث عن الصواب، ويهدف إلى الحق وينصف الآخرين ، فلا يقلل من شأنهم، ولا يجور عليهم ، ولا يضر صاحب الرأي أن يصدع بارائه ما دام محور الجدل هو الفكر المستقل.. ذلك هو أكرم أنواع الجدل وأجدرها بالمتابعة والاحترام.
لقد كان العالم منهم يأخذ العدل ويعطي من نفسه وفكره السوية لمن يوافق رأيه ومن يخالفه، لا يضيره كثرة المعارضين ولا يغريه تصفيق المصفقين، فإذا استقر على الرأي الذي يعتقد صوابه زحزح عنه غليان التعصب وميل العاطفة، وأعطى لنفسه حق الدفاع عما يراه صوابا بأدب وعلم لا يلغي الآخرين، ولا يرفع في وجوههم الإرهاب الفكري .. ولا يتخذ من المخالفين له في الرأي وسيلة للتهجم، ولا يضع نفسه موضع المعلم، ولا يحشر أنفه لتشمم دخائل النفوس وما تجين الجوارح.
وقد أوجز أحد علماء المسلمين أدب الرأي والاختلاف بقوله : «رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي الآخرين خطا يحتمل الصواب ، فأنصف نفسه وخصمه، وبسط لغيره سبل الجدل الواعي حول قيمة الرأي والرأي الآخر وحرمة كل منهما
فما أجمل أن يجعل المختلفون اليوم حول قضايا الفكر للخطأ احتمالا في أرائهم ومناهج تفكيرهم التي يصرون عليها ويجعلونها صوابا لا يحتمل الخطأ، ويكون للصواب احتمال في آراء معارضيهم المخالفين لهم في الرأي والنهج! وما أجمل أن يترفع المتجادلون عن مكامن النفوس وهفوات الضعف الإنساني.