الصحة اللغوية
سبب تفشي اللحن في المجتمع العربي إنزعاجاً واسعاً ؛ ولذا وقف العلماء في وجهه منکرین ، وحاولوا التقعيد للغة لتساعد على تبيين الصواب وانتهاجه.
وكتب العلماء الكتب والبحوث المبكرة ؛ لتصحيح الخطأ اللغوي، والحفاظ على طبيعة السليقة العربية حتى لا يقع الناطق في اللحن، ولتستقيم الألسن عليها ؛ فوضعت قواعد خاصة بالمفردات، وأخرى خاصة بالتراكيب، وثالثة خاصة بالكتابة.
وقد أدرك العرب عظمة ما توارثوا فکانت للغة عندهم منزلة عرفها القاصي والداني، وكان لنقلها عندهم ضوابط، وللاحتجاج بها شروط، ولرواتها صفات، وكانوا يتحرجون ويدققون فيما يروی صیانة منهم لحرمة اللغة، وتانيا بألسنتهم عن الخطأ بها. ولقد رأيناهم يتساءلون فيما بينهم عن كثير من مسائل اللغة ويسافرون للبحث عنها . فأين هم من مثقفينا الذين يأتي الصواب إليهم دون أن يسافروا وراءه ، فإذا هم يخجلون من الرجوع عن الجهل أو الخطأ، وإذا شعارهم أن الخطأ الشائع خبر من الصواب المهجور
على أن انتشار اللحن والخطأ ليس بدعا، ولكن الجديد هو معاندة الحق و الإصرار على الخطأ. وأما انتشار الخطأ فكان العلماء يحتاطون له، ويحللون أسبابه، ويضعون له علاجا؛ لقد كان وضع علم النحو وقواعد اللغة بسبب انتشار اللحن وشيوع الخطأ، بل تجاوز العلماء وضع القواعد إلى تصحيح ألفاظ المتكلمين؛ وذلك أنهم رأوا مخالطة الخاصة والمثقفين والمتعلمين للعامة تؤثر في لغتهم، وبادروا إلى لغة العامة يؤلفون في بيان لحنها ويصححون ألفاظها، ومنهم الكسائي في كتابه (ما تلحن فيه العامة )، وابن قتيبة في كتابه (أدب الكاتب) وغيرهما.
وفي هذا العصر بدا واضحا شکوى كثير من المهتمين بالعربية من انتشار اللحن وركاكة الأساليب وضعف الأداء اللغوي عند أبناء الأمة العربية.
وأصبح من الالوف أن نسمع الجن الناح کی فلا يتحان في المساكن، وخابية بعد انتشار الرطانة به كثرة الوفود القادمة إلينا، وكثرة أسفار أهل العربية خارج بيئتها، وبسبب هذا الاحتكاك الحضاري القوي. ونحن بحاجة إلى علاج هذه المشكلة ببيان مواطن الصحة والخطأ فيما يشيع استعماله والخلط فيه، ويتعلیم لغتنا على الوجه الصحيح.
أساس الحكم على كلمة ما بالخطأ أو الصواب :
تنقسم مادة اللغة العربية قسمين :
1- نوع يخضع لقاعدة عامة تجمع الأشباه والنظائر وتربطها، وهذه يحتكم فيها إلى كتب القواعد النحوية
والصرفية. ومثاله : رفع الفاعل ونصب المفعول به، وتعدية الفعل اللازم بالهمزة، وجمع المفرد بشروط معينة جمع مذكر سالما أو جمع مؤنث سالما أو جمع تكسير، واشتقاق اسم الفاعل واسم المفعول ، وغير ذلك. وهذا النوع مقیس.
۲- ونوع لا توجد فيه صلة بينه وبين غيره ، ولذا فهو لا يخضع لقاعدة ولا مجال للاحتكام فيه إلى كتب
النحو والصرف ، وإنما يكون الاحتكام فيه إلى السماع من العرب وإلى المعاجم اللغوية. ومثاله : ضبط عين الفعل الثلاثي المجرد بالشكل. فالفعل نضج مضارعه وينضج) بفتح الضاد، والفعل «رأس ) مضارعه ويرأس » يفتح الهمزة وليس يرئس یکسرها كما ينطق الكثيرون. ومثله أن تقول : شيء ملفت للنظر ، وإنما هو (لافت للنظر)، من الفعل لفت ، وليس الفت وهكذا. وهذا النوع مسموع. والسماع العربي الصحيح يعتمد على مصادر هي :
1- القرآن الكريم بقراءاته المختلفة .
٢- الحديث النبوي الشريف.
٣- الشعر العربي إلى منتصف القرن الثاني اون لاين
٤- النثر العربي من خطب ووصايا وأمثال وحكم ونوادر ، ويقبل ميل عرب الأمصار إلى نهاية القرن الثاني الهجري
بعض الأخطاء اللغوية الشائعة :
وفيما يأتي نورد بعض الأخطاء اللغوية التي يقع فيها كثير من الناطقين باللغة العربية في هذه البيئة، ولعل في إيرادها تنبيها لخطتها ؛ ولعله يقود إلى محاولة التخلص من هذه الأخطاء.
الرطانة :
الرطانة : الكلام بالأعجمية ، ورطن له وراطنه كلمه بها.
هناك معارك تعترك فيها اللغات كما تعترك الجيوش ؛ ولكن لا يهتم أحد بهذه المعارك ، ونرى اليوم اللغة العربية تحاصر في كل ركن، وتحل محلها لغات أخرى على رأسها الإنجليزية والفرنسية.
لقد دخلت الرطانة اللغة العربية في عصرنا الحاضر، ولا تزال تدخل ألفاظ كثيرة من غير العربية ، معظمها من لغات أوروبا ؛ لتفوقها من ناحية، ولشعورنا بالنقص والدولية من ناحية أخرى. ولقد استقرت بعض هذه الألفاظ الدخيلة وشاعت مع وجود مقابلاتها العربية الواضحة الجلية، والتي يعرفها من يرطن بغيرها قبل معرفتهم بهذه الألفاظ الأعجمية، ولقد شاعت بعض هذه الألفاظ الأعجمية في لغة الكتابة، وبقي أكثرها | محصورا في لغة التخاطب دون لغة الكتابة، ولا سيما عند سكان المدن.
- السلف الصالح كرهوا الكلام بغير العربية من دون حاجة، فقد كره الإمام الشافعي لمن يعرف العربية أن يتحدث بغيرها ، أو أن يتكلم بها خالطالها بالأعجمية، وهذا الذي ذكره الشافعي رحمه الله قاله الأئمة مأثوا عن الصحابة والتابعين ، يقول ابن تيمية في ذلك: « وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات ، وهو التكلم بغير العربية إلا لحاجة ». وفيما يأتي طائفة من الألفاقد الأعجمية التي شاعت في بيقينا هذه، وقد يشيع غيرها في غير هذه البيئة، وقد لا تشيع هذه في بعض البيقات الأخرى. وهنا نورا من باب قل ولا تقل يا أي قل اللفظ العربي الصحيح، ولا تقل اللفظ الأعجمي الخطأ.